في عصر تهيمن فيه الشاشات الرقمية على الحياة اليومية، يتجه عدد متزايد من المراهقين في جميع أنحاء العالم إلى الذكاء الاصطناعي، ليس فقط للحصول على المعلومات، بل للحصول على النصيحة الشخصية، الدعم العاطفي، وحتى الرفقة.
يكشف مسح حديث أجري في إنجلترا أن حوالي 40% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين إحدى عشرة وثماني عشرة سنة يستشيرون أدوات الذكاء الاصطناعي للحصول على إرشادات حول جوانب مختلفة من حياتهم، بدءًا من القرارات اليومية وصولًا إلى القضايا العاطفية الأعمق.
تؤكد هذه الإحصائية، المستمدة من "تقرير العزلة بين الأجيال" الذي أصدرته مؤسسة OnSide الخيرية للشباب في المملكة المتحدة، اتجاهًا عالميًا أوسع حيث يعتمد المراهقون بشكل متزايد على روبوتات الدردشة ورفقاء الذكاء الاصطناعي لسد الفجوات في الروابط الاجتماعية، وسط تقارير متزايدة عن الشعور بالوحدة والعزلة.
📝 المنظور الإنجليزي: أسباب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي
يمثل تقرير OnSide، الذي استطلع آراء ما يقرب من خمسة آلاف شاب مستجيب عبر شركة الأبحاث YouGov، لحظة محورية في فهم سلوك الشباب في العصر الرقمي. ولأول مرة، تضمنت الدراسة السنوية أسئلة حول استخدام الذكاء الاصطناعي، مما يعكس التطور السريع للتكنولوجيا واندماجها في الروتين اليومي للمراهقين.
سهولة التفاعل: من بين أولئك الذين يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي، يستشهد ما يقرب من واحد من كل خمسة (20%) بسهولة التفاعل كسبب رئيسي، حيث يجدون التحدث إليه أبسط من التحدث إلى إنسان.
نقص البدائل: والأكثر إثارة للقلق، أن 10% يعترفون باستخدام الذكاء الاصطناعي لعدم وجود شخص آخر يثقون به.
مواضيع النصيحة: المواضيع التي تتم تغطيتها متنوعة: يسعى أكثر من النصف للحصول على نصيحة حول خيارات الملابس، أو التعامل مع الصداقات، أو إدارة تحديات الصحة العقلية، أو التعامل مع مشاعر الحزن والتوتر.
المحادثة العابرة: بالإضافة إلى ذلك، يتجه واحد من كل عشرة إلى الذكاء الاصطناعي من أجل محادثة عادية بحتة، مما يسلط الضوء على احتمال وجود فراغ في الفرص الاجتماعية في العالم الحقيقي.
ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد يخففه التشكيك. يثق 6% فقط من هؤلاء المستخدمين الشباب في روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي أكثر من البشر، مما يشير إلى فهم فطري بأن استجابات الذكاء الاصطناعي قد تكون مصممة للإرضاء بدلاً من تقديم الحقيقة غير المصفاة.
⚠️ تحذيرات الخبراء والمخاوف العالمية
يحذر الخبراء من المخاطر المترتبة على هذا الاعتماد، بما في ذلك قيود الذكاء الاصطناعي في تقديم دعم دقيق ومتعاطف يضاهي العلاج المهني. في بعض الحالات، تعرض رفقاء الذكاء الاصطناعي لانتقادات لتجاوزهم الحدود، وتصرفهم كمستشارين غير مرخصين أو حتى انخراطهم في تفاعلات قد تضر بالمستخدمين المعرضين للخطر. وقد أثار هذا الأمر نقاشات تنظيمية، حيث دعت منظمات مثل جمعية علم النفس الأمريكية إلى الرقابة لحماية الأطفال والمراهقين من سوء الاستخدام المحتمل.
ترسم النتائج الإنجليزية صورة حية للعزلة:
إحصائيات الوحدة ووقت الشاشة (إنجلترا) | النسبة المئوية |
|---|---|
المراهقون الذين يقضون معظم وقت فراغهم ملتصقين بالشاشات (لم يتغير منذ عام 2023) | 76% |
المراهقون الذين يتراجعون إلى غرف نومهم للاستجمام | 48% |
المراهقون الذين يبلغون عن كونهم وحيدين خلال هذه الساعات | 18% |
المراهقون الذين يقضون وقتًا بانتظام مع الأصدقاء شخصيًا | 14% |
المراهقون المتأثرون بالوحدة بمستويات عالية أو عالية جدًا | 34% |
يؤكد جيمي ماسراف، الرئيس التنفيذي لمؤسسة OnSide، على أنه بينما يوفر الذكاء الاصطناعي وصولًا سريعًا للدعم، فإنه لا يمكن أن يكرر عمق التعاطف والثقة البشرية. ويصف تشابك الوحدة وإدمان الشاشات والانسحاب الاجتماعي بأنه إنذار حرج، مشيرًا كذلك إلى ندرة الأماكن المادية لتجمع الشباب وبناء الانتماء.
🌎 مقارنة دولية: ظاهرة واسعة الانتشار
هذا الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليس قاصرًا على إنجلترا؛ بل تظهر أنماط مماثلة في جميع أنحاء العالم مع تزايد سهولة الوصول إلى التكنولوجيا وتعقيدها.
إيطاليا: يشير تقرير صادر عن منظمة إنقاذ الطفولة إلى أن حوالي 42% من المراهقين يلجأون إلى الذكاء الاصطناعي عندما يشعرون بالحزن أو القلق أو يواجهون قرارات حياتية، مع استخدام 30% له يوميًا.
الولايات المتحدة: وجدت دراسة أجرتها Common Sense Media في عام 2025 أن 72% من المراهقين الأمريكيين استخدموا روبوتات الدردشة المرافقة بالذكاء الاصطناعي مرة واحدة على الأقل، واستخدامهم 33% للتفاعلات الاجتماعية. ويسلط تقرير آخر الضوء على أن 70% من مراهقي الولايات المتحدة قاموا بتجربة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية، وكثير منهم من أجل الصداقة والإرشاد العاطفي، ويقضي 13% نفس القدر من الوقت مع الذكاء الاصطناعي كما يقضونه مع الأصدقاء الحقيقيين. ويكشف مسح منفصل أجرته مؤسسة RAND أن 13% من المراهقين والشباب يلجأون إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على نصائح الصحة العقلية، مع وصول الاستخدام إلى ذروته عند 22% بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وواحد وعشرين عامًا.
آسيا: في الهند، تشير تقديرات مسوح الشباب الحضري إلى أن 25-30% يستخدمون روبوتات الدردشة للحصول على نصائح حول الدراسة والعلاقات. وفي الصين، يتفاعل ما يصل إلى 35% مع رفقاء الذكاء الاصطناعي. وتشهد اليابان، بثقافتها المتقدمة في مجال الروبوتات، اتجاه حوالي 28% من المراهقين إلى الذكاء الاصطناعي للرفقة.
أستراليا وكندا: تعكس الأدلة القصصية والاستطلاعات الأولية في هذه البلدان أيضًا التحول العالمي، مع استخدام مقدر يتراوح بين 15-20% للدعم العاطفي في كندا، وغالبًا ما يرتبط بعوامل العزلة.
تكشف هذه المقارنات الدولية عن خيوط مشتركة: لقد أدت مرحلة ما بعد التعافي من الوباء، والضغوط الاقتصادية، وانتشار الهواتف الذكية إلى تسريع دور الذكاء الاصطناعي في الصحة العقلية للشباب.
✅ معالجة التحدي
تشمل فوائد الذكاء الاصطناعي إمكانية الوصول إليه على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع والتفاعلات الخالية من الوصم الاجتماعي. ومع ذلك، تكثر العيوب - فقد يقدم الذكاء الاصطناعي نصيحة غير دقيقة، أو يديم التحيزات، أو يزيد من العزلة عن طريق تثبيط العلاقات الحقيقية.
يدعو تقرير OnSide ونظراؤه العالميون إلى اتخاذ تدابير استباقية للتخفيف من هذه المخاطر:
الاستثمارات: إعطاء الأولوية للاستثمارات في مراكز الشباب المجتمعية وبرامج الصحة العقلية المدرسية.
التنظيم: يجب على صانعي السياسات تنظيم الذكاء الاصطناعي لضمان وجود ضمانات، مثل مرشحات المحتوى المناسبة للعمر والشفافية في الخوارزميات.
الحوار: يلعب الآباء والمعلمون أيضًا دورًا رئيسيًا من خلال تعزيز الحوارات المفتوحة حول حدود التكنولوجيا وتشجيع الأنشطة غير المتصلة بالإنترنت.
يكمن التحدي في تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على القيمة التي لا يمكن تعويضها للروابط البشرية. إن معالجة الأسباب الجذرية مثل الشعور بالوحدة أمر ضروري لمساعدة مراهقي اليوم على إيجاد توازن أكثر صحة بين الدعم الرقمي والواقعي.