في تقدّم كبير في مجال التكنولوجيا العسكرية، تجري ألمانيا بهدوء اختبارات على صراصير بيولوجية هجينة معزّزة بالذكاء الاصطناعي، صُممت للمراقبة السرّية في بيئات لا يمكن للبشر أو الطائرات المسيّرة (الدرونز) أو الروبوتات التقليدية العمل فيها بفعالية. هذه الحشرات السايبورغ، التي طورتها الشركة الناشئة سوارم بيوتاكتيكس (Swarm Biotactics)، هي جزء من دفعة أوسع لدمج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية المتطورة في استراتيجيات الدفاع، مما يعكس تحديث ألمانيا المتسارع لقواتها المسلحة.
تكنولوجيا الصرصور السايبورغ
تعتمد الصراصير البيولوجية الهجينة على حشرات حية، في المقام الأول صراصير مدغشقر الهامسة، التي اُختيرت لمتانتها وقدرتها على التنقل في التضاريس الصعبة. يتم تزويد كل حشرة بـ حقيبة ظهر مصغّرة متخصصة، لا يتجاوز وزنها بضعة غرامات، تحوّلها إلى أداة مراقبة متطورة. تشمل المكونات الرئيسية ما يلي:
أنظمة التحفيز العصبي: تسمح أقطاب كهربائية موصولة بالجهاز العصبي للصرصور للمشغلين عن بُعد بالتحكم في حركاته عبر نبضات كهربائية، وتوجيه الحشرة بفعالية نحو أهداف محددة.
أجهزة الاستشعار والكاميرات: تلتقط الكاميرات المصغّرة وأجهزة الاستشعار البيئية المدمجة بيانات بصرية في الوقت الفعلي، بالإضافة إلى الصوت، ودرجة الحرارة، والرطوبة، وحتى البصمات الكيميائية، مما يوفر معلومات استخباراتية مفصلة من منظور المستوى الأرضي.
وحدات الاتصال الآمن: تتيح أجهزة الإرسال المشفرة نقل البيانات المجمّعة إلى مركز القيادة دون المساس بالأمن.
خوارزميات الذكاء الاصطناعي: يسمح الذكاء الاصطناعي المتقدم للصراصير بالعمل بشكل مستقل أو في أسراب منسقة. هذا يمكّنها من اتخاذ القرارات بشأن الملاحة، وتجنب العوائق، وتحديد أولويات الأهداف، مما يقلل من الحاجة إلى تدخل بشري مستمر.
وصف ستيفان فيلهلم، الرئيس التنفيذي لشركة سوارم بيوتاكتيكس، النظام بأنه "روبوتات بيولوجية مجهزة بتحفيز عصبي، وأجهزة استشعار، ووحدات اتصال آمنة". يمكن التحكم فيها بشكل فردي أو العمل كأسراب مستقلة، مما يجعلها مثالية لجمع معلومات المراقبة في البيئات المعادية.
تعتمد التكنولوجيا على سنوات من البحث في مجال الروبوتات البيولوجية الهجينة، حيث يتم تعزيز الكائنات الحية بمكونات إلكترونية. وقد أظهرت النماذج الأولية المبكرة القدرة على التسلل إلى الركام، والأنفاق، والمناطق الحضرية المزدحمة، محاكية سيناريوهات واقعية مثل الاستطلاع في ساحة المعركة أو الاستجابة للكوارث.
التطوير والتمويل
جمعت سوارم بيوتاكتيكس، وهي شركة ألمانية ناشئة، حوالي 10 ملايين يورو كتمويل أولي للانتقال بالمشروع من النماذج الأولية المفاهيمية إلى الاختبارات التشغيلية. وتحظى المبادرة بدعم من مركز الابتكار السيبراني التابع للقوات المسلحة الألمانية (Bundeswehr's Cyber Innovation Hub)، الذي شهد زيادة هائلة في مقترحات تكنولوجيا الدفاع—ارتفعت من 2-3 مقترحات أسبوعياً في عام 2020 إلى 20-30 مقترحاً يومياً. وتُعزى هذه الزيادة إلى تحوّل المواقف العامة تجاه الابتكار الدفاعي، خاصةً في أعقاب الأحداث الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا.
سهّلت الحكومة الألمانية هذا التطوير من خلال مشروع قانون جديد للمشتريات، وافق عليه مجلس وزراء المستشار فريدريش ميرز. يبسّط القانون الإجراءات من خلال السماح بالدفعات المسبقة للشركات الناشئة وحصر المناقصات على الشركات التي تتخذ من الاتحاد الأوروبي مقراً لها، متجاوزاً بذلك العقبات البيروقراطية التقليدية. إجمالاً، حصلت الشركات الألمانية الناشئة في مجال الدفاع على 1.4 مليار دولار كتمويل على مدى السنوات الخمس الماضية، وسط طفرة في رأس المال المغامر لتكنولوجيا الدفاع الأوروبية بلغت مليار دولار في عام 2024 وحده.
ومن المتوقع أن يرتفع الإنفاق الدفاعي ليقارب ثلاثة أضعاف، ليصل إلى 162 مليار يورو سنوياً بحلول عام 2029، متجاوزاً هدف حلف شمال الأطلسي (الناتو) البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي ووصولاً إلى 3.5%. يؤكد هذا الالتزام المالي طموح ألمانيا في أن تكون رائدة في مجال الاستقلال الدفاعي الأوروبي، خاصة وسط حالة عدم اليقين في التحالفات عبر الأطلسي.
تطبيقات في القطاعين العسكري والمدني
التطبيق الأساسي لهذه الصراصير المعزّزة بالذكاء الاصطناعي هو المراقبة العسكرية. في الحروب الحديثة، حيث ينتشر القتال الحضري والتهديدات غير المتكافئة، توفر هذه الكائنات البيولوجية الهجينة بديلاً سرياً ومنخفض المستوى للطائرات المسيّرة أو الروبوتات الأكبر حجماً. يمكنها الزحف إلى المباني التي يسيطر عليها العدو، وتقييم الأضرار الهيكلية في مناطق الحرب، أو مراقبة تحركات القوات دون سهولة اكتشافها. وقد سلطت أنيت لينيغك-إمدن، رئيسة وكالة المشتريات التابعة للقوات المسلحة، الضوء على التأثير الثوري لمثل هذه التقنيات، مقارنة إياها بإدخال المدفع الرشاش، أو الدبابة، أو الطائرة إلى ساحة المعركة.
بالإضافة إلى الدفاع، تمتلك هذه التكنولوجيا استخدامات مدنية محتملة. في عمليات البحث والإنقاذ، يمكن للأسراب استكشاف الهياكل المنهارة بعد الزلازل أو الفيضانات لتحديد مواقع الناجين. وقد تشمل التطبيقات الأمنية مراقبة الحدود أو فحص المواقع الصناعية الخطرة.
السياق الأوسع والابتكارات ذات الصلة
يُعد هذا المشروع رمزاً لتحوّل ألمانيا الاستراتيجي نحو الحرب التي يقودها الذكاء الاصطناعي. فلطالما اشتهرت البلاد بإنجازاتها الهندسية مثل الدبابات المتقدمة والمحركات النفاثة، وهي الآن توجّه الموارد إلى أدوات غير تقليدية لتعزيز صناعة دفاع أوروبية تعتمد على الذات. يتم تشجيع التعاون بين الشركات الناشئة والجهات الفاعلة الراسخة مثل راينميتال (Rheinmetall)، حيث تتجاوز الحكومة الروتين لدمج الابتكارات بسرعة.
تشمل التطورات ذات الصلة طائرات الهجوم العسكرية المسيّرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة التابعة لشركة هلسينغ (Helsing)، والتي تضاعفت قيمة الشركة بموجبها إلى 12 مليار دولار. وتنتج شركة إيه آر إكس روبوتيكس (ARX Robotics) روبوتات أرضية مستقلة، بينما حققت شركتا كوِنتوم سيستمز (Quantum Systems) و تيكيفر (Tekever) مكانة "الشركة وحيدة القرن" (يونيكورن) بتقنيات الطائرات المسيّرة الخاصة بهما. وتشمل الابتكارات الأخرى الغواصات المصغّرة غير المأهولة والذخائر المتسكعة من شركة دوناوستال (Donaustahl)، وكلها تساهم في نظام بيئي لأدوات الدفاع من الجيل التالي.
نُقل عن وزير الدفاع بوريس بيستوريوس قوله: "المال لم يعد عذراً—إنه موجود الآن"، مما يشير إلى نهاية القيود المالية على الابتكار.
التحديات والاعتبارات الأخلاقية
على الرغم من الوعود، لا تزال هناك تحديات قائمة. عمر البطارية في حقائب الظهر محدود حالياً ببضع ساعات فقط، كما أن العمر الطبيعي للحشرات قصير، مما يستلزم تطوير طرق إنتاج قابلة للتوسع. وتُعد الموثوقية في البيئات غير المتوقعة، مثل تغيرات الطقس أو التداخل، محوراً للاختبارات الجارية.
كما تبرز أسئلة أخلاقية حول استخدام الكائنات الحية كمنصات تكنولوجية، مما قد يثير مخاوف بشأن رعاية الحيوان وحدود الهندسة البيولوجية. وبينما لم تهيمن مناقشات محددة بعد على الخطاب العام، يتوقع الخبراء تدقيقاً مع نضوج التكنولوجيا.
مع استمرار الاختبار، يمكن للصراصير البيولوجية الهجينة المعزّزة بالذكاء الاصطناعي أن تعيد تعريف جمع المعلومات الاستخباراتية، حيث تمزج بين المرونة البيولوجية والدقة الرقمية. لا تعزز هذه المبادرة الأمن القومي فحسب، بل تضع ألمانيا أيضاً في طليعة الابتكار الدفاعي العالمي، حيث قد تلعب أصغر المخلوقات أكبر الأدوار في الصراعات المستقبلية.