في لحظة تاريخية لقطاع الطاقة المصري، احتفل الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة الأولى في محطة الضبعة للطاقة النووية، في 19 نوفمبر.
هذا الحفل، الذي جمع بين مشاركة الرئيس السيسي شخصيًا ومشاركة الرئيس بوتين عن بعد عبر الفيديو، يرمز إلى قفزة كبرى نحو تحقيق هدف مصر الذي طال انتظاره في تسخير الطاقة النووية للأغراض السلمية. ففي الوقت الذي تتصارع فيه البلاد مع تزايد الطلب على الطاقة وسط النمو السكاني وتحديات المناخ، يعد مشروع الضبعة بإعادة تشكيل المشهد الكهربائي في مصر، موفرًا كهرباء نظيفة وموثوقة للملايين.
إحياء طال انتظاره لبرنامج مصر النووي
يعود اهتمام مصر بالطاقة النووية إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما استكشفت الدولة الطاقة الذرية لأول مرة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. ومع ذلك، أدت العقبات السياسية والاقتصادية والتقنية إلى تأخير التقدم لعقود.
اكتساب الزخم: استعاد البرنامج زخمه في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبلغ ذروته باتفاقية تاريخية مع روسيا في نوفمبر 2015.
الاتفاقية: كلفت هذه الصفقة شركة الطاقة النووية الحكومية الروسية، روساتوم (Rosatom)، ببناء أول منشأة نووية مصرية في الضبعة، الواقعة في محافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد حوالي 320 كيلومترًا شمال غرب القاهرة.
التكنولوجيا: ستضم المحطة أربعة مفاعلات من طراز VVER-1200، وهي نماذج متقدمة من الجيل الثالث+ (Generation III+) تُعرف بميزات السلامة المعززة. تبلغ السعة الإجمالية لكل مفاعل 1,200 ميغاواط، مما يعني أن المحطة بأكملها ستولد مجتمعة 4,800 ميغاواط، وهي كمية كافية لتزويد حوالي 10% من احتياجات مصر من الكهرباء عند التشغيل الكامل.
التمويل: تقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بـ 28.75 مليار دولار أمريكي. وتمول روسيا 85% من خلال قرض حكومي يُسدد على مدى 22 عامًا بمعدل فائدة سنوية 3%. وتغطي مصر نسبة الـ 15% المتبقية على دفعات.
نطاق الشراكة: لا تقتصر مسؤوليات روساتوم على بناء المحطة فحسب، بل تشمل أيضًا توريد الوقود النووي لدورة حياتها بالكامل، وتوفير حلول تخزين الوقود المستنفد، وتقديم خدمات التدريب والصيانة للسنوات العشر الأولى من التشغيل.
حفل الإنجاز: رمز للتعاون الثنائي
ركز الحدث الذي جرى في 19 نوفمبر على تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة الأولى. هذا المكون الحاسم، الذي يزن 330 طنًا، تم تصنيعه على مدى 41 شهرًا في مصنع إيجورا (Izhora) التابع لروساتوم في روسيا.
المواصفات التقنية: يبلغ طول الوعاء 13 مترًا وقطره 4.5 مترًا. وقد صُمم لتحمل الضغوط ودرجات الحرارة القصوى، مما يضمن إغلاقًا محكمًا ضروريًا للعمليات الآمنة. يبلغ عمر خدمته الأولي 60 عامًا.
تصريح الرئيس السيسي: أشاد الرئيس السيسي بالتقدم المحرز ووصفه بأنه "حلم أصبح حقيقة في نهاية المطاف"، مؤكدًا على دوره المحوري في إحياء برنامج مصر النووي السلمي وتحويل مستقبل الطاقة في البلاد.
تصريح الرئيس بوتين: وصف الرئيس بوتين، متحدثًا عبر رابط الفيديو، عملية التركيب بأنها "مرحلة أساسية" تقرب المحطة من توليد الطاقة اللازمة للاقتصاد المصري. وشدد على الفوائد الواسعة للمشروع، بما في ذلك خلق فرص العمل في قطاعات المهارات العالية، والتزامات روسيا طويلة الأجل بتوريد الوقود والصيانة وإدارة النفايات.
وفي تطور ذي صلة جرى في اليوم ذاته، وقعت مصر أمرًا بشراء الوقود النووي اللازم لتحميل قلب المفاعل الأول للوحدة الأولى، مما يدفع بالاستعدادات للتشغيل قدمًا.
الفوائد: أمن الطاقة، والنمو الاقتصادي، والاستدامة
مع تجاوز عدد سكانها 110 ملايين نسمة وتزايده بأكثر من 2% سنويًا، تواجه مصر تحديات طاقة حادة، تفاقمت بسبب الاعتماد الكبير على الغاز الطبيعي وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر نتيجة لارتفاع الطلب وتغير المناخ. توفر الطاقة النووية بديلاً مستقرًا ومنخفض الكربون.
المجال | الفائدة المتوقعة |
|---|---|
أمن الطاقة | تنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن الغاز والنفط، مما يضمن الاستقرار. ستوفر 9% من كهرباء مصر بحلول عام 2030 (من أول وحدتين فقط). |
النمو الاقتصادي | خلق آلاف الوظائف المحلية وتعزيز الخبرات الوطنية من خلال برامج تدريب المهندسين المصريين. توفير طاقة تنافسية من حيث التكلفة على المدى الطويل. |
الاستدامة | دعم أهداف التنمية المستدامة من خلال إنتاج الطاقة بأقل قدر من انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يخفف من مخاطر المناخ ويساعد في التحول إلى الطاقة النظيفة. |
الريادة الإقليمية | وضع مصر كدولة رائدة في تكنولوجيا الطاقة النووية المتقدمة، حيث تعد أول محطة نووية جديدة في إفريقيا منذ محطة كويبيرغ (Koeberg) في جنوب إفريقيا خلال الثمانينيات. |
التحديات والنظرة المستقبلية
على الرغم من التفاؤل، يواجه المشروع العديد من التعقيدات:
التمويل: يظل الجزء الذي تتحمله مصر (15%) التزامًا ماليًا كبيرًا وسط الضغوط الاقتصادية الحالية.
القوى العاملة: بناء قوة عاملة نووية وطنية ماهرة أمر ضروري ويستغرق وقتًا طويلاً، على الرغم من التزام روسيا بتقديم الخبرات.
السلامة والنفايات: على الرغم من أن مفاعلات VVER-1200 تتضمن أنظمة سلامة متقدمة، فإن القبول العام والإدارة طويلة الأجل للوقود النووي المستنفد يتطلبان أطرًا تنظيمية قوية.
البنية التحتية: يضيف دمج منشأة نووية ضخمة في شبكة الكهرباء المصرية القائمة وإدارة استخدام المياه لأغراض التبريد طبقات من الصعوبة التقنية.
من المقرر بدء تشغيل الوحدة الأولى في عام 2028، على أن يتم تشغيل المحطة بالكامل بعد ذلك بوقت قصير. يتماشى هذا الجدول الزمني مع طموح مصر لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة وربما تصدير الطاقة الفائضة إلى المناطق المجاورة. يُنظر إلى نجاح الضبعة ليس فقط كحل للطاقة لمصر، بل أيضًا كنموذج محتمل للدول الأخرى في جميع أنحاء القارة الإفريقية التي تسعى لتحقيق التنمية منخفضة الكربون.