في تطور بارز قد يعيد تشكيل مشهد أشباه الموصلات العالمي، نجحت الصين في تطوير نموذج أولي لآلة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV) بجهود محلية بالكامل. ويمثل هذا الإنجاز، الذي تحقق في أوائل عام 2025، خطوة حاسمة في سعي بكين لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي في ظل القيود المتزايدة التي تقودها الولايات المتحدة على تصدير أدوات صناعة الرقائق المتقدمة. ويعكس هذا النموذج، الذي تم بناؤه في منشأة شديدة الحراسة في مدينة "شنتشن"، قدرة الصين المتنامية على محاكاة التكنولوجيا التي كانت تحتكرها سابقاً شركة ASML الهولندية العملاقة.
الطريق إلى النموذج الأولي: الهندسة العكسية واستقطاب الكفاءات
شُبّه تطوير آلة الـ EUV الصينية بـ "مشروع مانهاتن" الحديث، حيث شارك فيه آلاف المهندسين، ومعاهد أبحاث مدعومة من الدولة، وشبكة منسقة من الشركات الخاصة.
استقطاب المواهب: تم تشكيل فريق أساسي من خلال توظيف مهندسين سابقين في شركة ASML (كثير منهم من أصول صينية) عبر حوافز مغرية شملت مكافآت توقيع تتراوح بين 3 إلى 5 ملايين يوان (حوالي 420,000 إلى 700,000 دولار) بالإضافة إلى دعم سكني.
السرية العملياتية: أحيط المشروع بسرية تامة، حيث أفادت التقارير أن الموظفين استخدموا أسماء مستعارة وهويات مزيفة للحفاظ على أمن المعلومات.
تأمين المكونات: اعتمد الفريق على الهندسة العكسية عبر تفكيك آلات قديمة وإعادة تجميعها. وتم الحصول على القطع من الأسواق الثانوية، والمزادات، وحتى عبر استيراد مكونات مقيدة من شركات يابانية.
الحجم الفيزيائي: يتميز النموذج الصيني بضخامة حجمه، حيث يشغل مساحة طابق مصنع كامل تقريباً، وهو أكبر بكثير من آلات ASML القياسية التي تزن حوالي 180 طناً وتماثل حجم حافلة مدرسية.
على الرغم من نجاح الآلة في توليد ضوء الأشعة فوق البنفسجية القصوى — وهو عبارة عن "بلازما" تنتج عن ضرب قطرات القصدير المصهور بالليزر — إلا أنها لم تبدأ بعد في إنتاج رقائق وظيفية جاهزة للسوق.
الجهات المؤسسية الرئيسية
لعبت عدة منظمات دوراً محورياً في الوصول إلى هذه المرحلة:
معهد تشانغتشون للبصريات والميكانيكا الدقيقة والفيزياء (CIOMP): ركز على مصادر الضوء والأنظمة البصرية.
معهد شنغهاي للبصريات: ساهم في الأبحاث الأساسية وتسجيل براءات الاختراع.
شركة هواوي (Huawei): عملت كمنسق رئيسي لسلسلة التوريد، رغم إدراجها في قائمة الكيانات الأمريكية المحظورة. وبحسب ما ورد، يقوم الرئيس التنفيذي "رين تشنغ في" بتقديم تقارير مباشرة للقيادة العليا حول سير العمل.
العقبات التقنية والتحديات المستمرة
رغم هذا النجاح، تظل محاكاة دقة ASML التي صُقلت عبر عقود مهمة شاقة؛ فقد استثمرت الشركة الهولندية أكثر من 7 مليارات دولار وما يقرب من عشرين عاماً لتسويق أول نظام EUV لها.
التحدي | التأثير على الإنتاج |
|---|---|
البصريات الدقيقة | تواجه الصين صعوبة في مضاهاة جودة العدسات والمرايا التي توفرها شركة "كارل زايس" الألمانية. |
الميكاترونكس | تحقيق الحركة فائقة الدقة المطلوبة لرقائق 2 نانومتر يمثل تعقيداً هندسياً كبيراً. |
الإنتاجية والجودة | توليد الضوء هو الخطوة الأولى فقط، أما الإنتاج التجاري الواسع وبجودة عالية فهو التحدي الأكبر. |
القضايا القانونية | تلاحق المشروع اتهامات تتعلق بسرقة الأسرار التجارية ونزاعات الملكية الفكرية. |
الاستراتيجية الحكومية والتأثير العالمي
تُعد هذه المبادرة حجر الزاوية في استراتيجية أشباه الموصلات الصينية الأوسع.
الجدول الزمني: تهدف الحكومة إلى إنتاج رقائق وظيفية باستخدام هذا النموذج بحلول عام 2028، بينما يرى محللون مستقلون أن عام 2030 هو موعد أكثر واقعية للإنتاج الكمي.
الحصة السوقية: حالياً، تلبي الشركات المحلية حوالي 1.5% فقط من طلب الصين على آلات الليثوغرافيا، بينما تسيطر ASML والشركات اليابانية على 99% من السوق.
النفوذ الجيوسياسي: إتقان تكنولوجيا EUV سيمنح بكين نفوذاً هائلاً في الاقتصاد العالمي وقطاع الدفاع، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة فائقة الأداء.
مع احتدام "حرب الرقائق" بين الولايات المتحدة والصين، يراقب العالم ما إذا كان هذا النموذج الأولي سيتطور إلى قوة إنتاجية حقيقية. إذا نجحت الصين، فقد تحقق استقلالها في مجال أشباه الموصلات قبل سنوات من التوقعات الغربية، مما يغير موازين القوى التكنولوجية في العالم.
![]() | ![]() | ![]() |
![]() | ![]() | ![]() |





